دخول مكة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام البعلي -رحمه الله -تعالى-:
باب دخول مكة
سن من أعلاها من ثنية كدا، ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة، فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر ودعا، ثم يبتدئ من الحجر الأسود بطواف العمرة للمعتمر، وبقدوم غيره مضطبعا بردائه وسطه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على الأيسر، فيحاذي الحجر ببدنة ويستلمه ويقبله، فإن شق قبل يده أو أشار إليه، ثم يأخذ على يمينه، ويجعل البيت على يساره، فإذا أتى لليماني استلمه وقبَّل يده، فيطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأول، وهو إسراع المشي ويقول كلما حاذى الأسود والركن: الله أكبر لا إله إلا الله، وبين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ويدعو بما أحب، ولا رمل على امرأة، وأهل مكة ولا اضطباع، ولا على الرجل في غير هذا، ويكون طاهرا مستترا.
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما تقدم يعتبر مقدمات ويعتبر مكملات، الآن شرع في أعمال الحج، وذلك لأن أول أعماله، وكذلك أعمال العمرة دخول مكة التي هي محل المشاعر والشعائر والبلد الحرام الذي جعله الله -تعالى- حراما، وجعله محلا لبيته المحرم، دخلها النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعلاها، من ثنية كدا المعروفة بالحجون، مشهورة بهذا الاسم لقول الشاعر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ها هي الحجون وفيها الطريق الآن، وهي قرب المقبرة التي هي المعلاة إلى جانبها، دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- معها في غزوة الفتح؛ تحقيقا لقول حسان في همزيته:
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثـير النقع مطلعها كداء
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: حققوا ما قاله فإن تيسر للحجاج أن يدخلوا من هذا الطريق الذي هو من جهة الشمال فلهم ذلك، وإلا فلا يكلفوا أنفسهم إذا دخلوا من جهة العدل أو من جهة العزيزية، أو من جهة كدي، الطريق الجنوبي أو من جهة الغرب من الريع الذي يدخل من أي جهة تناسبه، النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل من أعلاها من ثنية كدا؛ لأن ذلك أنسب له.
كذلك يقول: يدخل المسجد من باب بني شيبة ويسمى قديما باب السلام، وكان قديما محاذيا لبئر زمزم، في أول ما كان والزيادات التي بعد ذلك كانت متجددة، باب السلام أو باب بني شيبة كان قديما في داخل المسجد، ثم أزيل لما جاءت التوسيعات، وفي البناية التركية جابوا بابا محاذيا له يسمى أيضا بباب السلام محاذيا للحجر عن جهة الشرق، ثم في البناية الجديدة جعلوا بابين في وسط المسعى، باب اسمه باب بني شيبة وباب اسمه باب السلام وكلاها جديدة، والحاج يدخل من أي باب يناسبه، وليس ضروريا أن يدخل من هذا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- دخل معه، ولم يكلف الناس كلهم أن يدخلوا من هذا المدخل، فإذا تيسر له أن يدخل من باب السلام، فإنه يدخل وإلا دخل من أي الأبواب.
إذا رأى البيت رفع يديه وكبر ودعا يكبر بقوله: الله أكبر، ويدعو بقوله: اللهم إن بيتك عظيم، ووجهك كريم، وأنت يا ربي عظيم كريم تحب العفو فاعف عني، أو يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام، وأدخلنا الجنة دار السلام، يدعو بما تيسر، وإذا قال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة ورفعة وبرا، وزد من كرمه أو من حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة ورفعة وبرا.
يبتدئ طوافه من الحجر الأسود، يحاذي الحجر الأسود الذي هو الركن الشرقي الجنوبي، وبينه وبين الباب نحو متر باب الكعبة، إذا كان معتمرا يطوف للعمرة، وإذا كان مفردا أو قارنا يطوف للقدوم، وطواف القدوم سنة، ولكنه سنة مؤكدة، وطواف العمرة ركن من أركانها، ثم يضطبع بردائه ليكون أنشط له يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن وتحت إبطه الأيمن، ويفدي منكبه وعضده اليمنى ويستر منكبه الأيسر، فيجعل عليه طرفي الرداء يجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن، وطرفي الرداء على الأيسر، إذا ابتدأ فإنه لا بد أن يحاذي الحجر ببدنه، الحجر الأسود فإن استطاع أن يصل إليه قبله، وذلك بوضع شفتيه عليه من غير تصويت، الحجر الأسود مكانه الآن أو في مكانه الآن، ولكن جعلت عليه هذه الصبات الرصاصية، ألصقت أو ظهرت كسر منه ملصقة بذلك الرصاص، وكان قديما حجرا كبيرا يمكن أن يكون وزنه ثلاث كيلو أو نحوها، ثم تناقص لما كسره أو كلأه القرامطة في سنة ثلاثمائة وسبعة عشر، فإذا عجز عن تقبيله استلمه بيده وقبلها، فإذا عجز استلمه بعصا وقبل العصى، فإذا عجز لشدة الزحام، أشار إليه بيده وقال: الله أكبر ومشى ولا يقبل يده، يسير عن يمينه، يجعل البيت عن يساره ويستدير، ويطوف من وراء الحجر، الحجر الذي هو كنصف دائرة من الجهة الشمالية، فيطوف من وراء الحجر، وإذا وصل إلى الركن اليماني الذي هو الركن الجنوبي الغربي زاوية البيت الجنوبية الغربية استلمه بأن يضع يده عليه ولا يقبله، أجاز بعضهم أن يقبل يده، ولعل الأقرب أنه لا يقبل شيئا، وإنما يضع يده عليه، ولا يمسحه ولا يقبله ولا يمسه بيده، وإنما يقتصر على يد واحدة أن يمسه بيده اليمنى.
يطوف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأول الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطى وهز المنكبين، سبب هذا الرمل أن المشركين في سنة سبع لما جاء المسلمون معتمرين أرادوا أن يهونوا من شأنهم، وأن يضعفوا رأيهم عند سفهائهم، فقالوا: يقدم عليكم اليوم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، يثرب اسم للمدينة وهنتهم، يعني: أوهنتهم وأضعفتهم أضعفت قواهم وأنهكتهم يريدون بذلك ألا يرى سفهاؤهم لهم قدرهم، وأنهم ضعفاء، وأنهم لا شيء عندهم، ولما بلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بالرمل حتى يظهروا جلدهم ونشاطهم، وكان المشركون جالسين على جبل قعيقعة الذي هو في جهة الشمال محاذيا للحجاز، من وراء البيت وهو مرتفع ينظرون إليهم، فلما رأوهم يرملون ويسرعون تعجبوا، وقالوا: كيف تقولون: قد وهنتهم الحمى، ما هم إلا كالغزلان، وما منعهم أن يرملوا في الأشواط كلها إلا الإبقاء والرفق عليهم.
وكلما حاذى الحجر الأسود قال: الله أكبر، أو قال لا إله إلا الله والله أكبر ويقول بين الركنين بين اليماني وبين الحجر الأسود: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ حفظت هذه الدعوة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا المكان، يدعو بما أحب، وليس للطواف دعاء مخصوص خلافا لما يعتقده كثيرون.
وهذه الأدعية التي بالمناسك دعاء الشوط الأول، ودعاء الشوط الثاني، ودعاء الشوط الثالث، ليست لازمة وليست ضرورية عليه أن يدعو بها أو بغيرها، فلو جمعها في شوط واحد أو قدم بعضها وأخر بعضها فلا حرج عليه، وكذلك لو دعا بدعاء الملتزم أو بدعاء الحجر أو بدعاء المقام، فإن ذلك كله جائز لا يلزم الالتزام بشيء من ذلك، يدعو بما أحب.
ولا رمل على النساء ؛ لأن المرأة مأمورة بالتستر، وقد يكون الرمل سببا في تكشف بعض بدنها، "ولا على أهل مكة" وذلك لأنه ليس لهم عمرة، وليس عليهم طواف قدوم ولا عليهم اضطباع، وليس هناك رمل إلا في هذا الطواف، فلا يرملوا في طواف الإفاضة ولا في طواف التطوع ولا في طواف الوداع.
يشترط على الطواف شروط:
الأول:الطهارة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري منعها من أن تطوف وهي عليها نجاسة العذر عذر الحيض، فدل على أنه يشترط للطواف الطهارة، وقال الله -تعالى-: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ أمر بتطهير البيت للطائفين، فيلزم أن يكون الطائف طاهرا.
الشرط الثاني: الستر، أي: ستر العورة كالصلاة، فلا يطوف عريانا، خلافا لأهل الجاهلية، فكانوا إذا قدموا ولم يجدوا ثوبا من أهل مكة طافو عراة، ويقولون: لن نطوف بالبيت بثيابنا التي عصينا فيها؛ تعظيما للبيت -بزعمهم-، فنهى الله عن ذلك وقال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قال الإمام أحمد: وأجمع الناس على أنها في الصلاة، فبطريق الأولى الطواف.
من شروط الطواف: أن يكون متواليا، فإذا قطعه بطل، إذا طاف ثلاثة أشواط، ثم جلس بدون عذر، ثم أراد أن يكمل فإنه لا بد أن يستأنف، لو انتقض وضوءه وذهب ليتوضأ ربع ساعة أو ثلث ساعة فله أن يواصل، وأما إذا طال الفصل فعليه أن يستأنف.
ومن شروطه: أن يجعل البيت عن يساره، فلا يصح أن يطوف معاكسا للناس.
فمن شروطه: أن يطوف من وراء الحجر، فلو طاف من داخل الحجر ما كفاه.
بعد ذلك يصلي ركعتين خلف المقام، أي: خلف مقام إبراهيم، مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقوم عليه لما كان يبني الكعبة، يقف عليه، وقد أثرت قدماه في ذلك الحجر، فاحتفظ بالحجر ذكره أبو طالب في لاميته يقول:
وموقع إبراهيم في الصخر رطبة
على قدميه حافيا غير ناعل
يعني: أثرت قدماه بذلك الصخر من طول وقوفه عليه فاحتفظ بهذا الحجر، ويوجد في هذا المكان الذي عليه زجاج موضع ذلك الحجر، قال الله -تعالى-: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ فجعله من الآيات البينات، إذا شق عليه صلى في أية مكان، إذا كان ذلك المكان مزدحما، فله أن يتأخر، وله أن يصلي ولو قرب زمزم ولو في المصابيح؛ وذلك لأن الصلاة إنما هي سنة، وجعل هذا المكان أولى، فإذا لم يتيسر من الزحام فإنه يبتعد، قد يكون في الموسم الزحام يتجاوز زمزم، زحام الحجاج يملأ الساحة كلها.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام البعلي -رحمه الله -تعالى-:
باب دخول مكة
سن من أعلاها من ثنية كدا، ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة، فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر ودعا، ثم يبتدئ من الحجر الأسود بطواف العمرة للمعتمر، وبقدوم غيره مضطبعا بردائه وسطه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على الأيسر، فيحاذي الحجر ببدنة ويستلمه ويقبله، فإن شق قبل يده أو أشار إليه، ثم يأخذ على يمينه، ويجعل البيت على يساره، فإذا أتى لليماني استلمه وقبَّل يده، فيطوف سبعا يرمل في الثلاثة الأول، وهو إسراع المشي ويقول كلما حاذى الأسود والركن: الله أكبر لا إله إلا الله، وبين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، ويدعو بما أحب، ولا رمل على امرأة، وأهل مكة ولا اضطباع، ولا على الرجل في غير هذا، ويكون طاهرا مستترا.
--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ما تقدم يعتبر مقدمات ويعتبر مكملات، الآن شرع في أعمال الحج، وذلك لأن أول أعماله، وكذلك أعمال العمرة دخول مكة التي هي محل المشاعر والشعائر والبلد الحرام الذي جعله الله -تعالى- حراما، وجعله محلا لبيته المحرم، دخلها النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعلاها، من ثنية كدا المعروفة بالحجون، مشهورة بهذا الاسم لقول الشاعر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ها هي الحجون وفيها الطريق الآن، وهي قرب المقبرة التي هي المعلاة إلى جانبها، دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- معها في غزوة الفتح؛ تحقيقا لقول حسان في همزيته:
عدمنا خيلنا إن لم تروها
تثـير النقع مطلعها كداء
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: حققوا ما قاله فإن تيسر للحجاج أن يدخلوا من هذا الطريق الذي هو من جهة الشمال فلهم ذلك، وإلا فلا يكلفوا أنفسهم إذا دخلوا من جهة العدل أو من جهة العزيزية، أو من جهة كدي، الطريق الجنوبي أو من جهة الغرب من الريع الذي يدخل من أي جهة تناسبه، النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل من أعلاها من ثنية كدا؛ لأن ذلك أنسب له.
كذلك يقول: يدخل المسجد من باب بني شيبة ويسمى قديما باب السلام، وكان قديما محاذيا لبئر زمزم، في أول ما كان والزيادات التي بعد ذلك كانت متجددة، باب السلام أو باب بني شيبة كان قديما في داخل المسجد، ثم أزيل لما جاءت التوسيعات، وفي البناية التركية جابوا بابا محاذيا له يسمى أيضا بباب السلام محاذيا للحجر عن جهة الشرق، ثم في البناية الجديدة جعلوا بابين في وسط المسعى، باب اسمه باب بني شيبة وباب اسمه باب السلام وكلاها جديدة، والحاج يدخل من أي باب يناسبه، وليس ضروريا أن يدخل من هذا، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- دخل معه، ولم يكلف الناس كلهم أن يدخلوا من هذا المدخل، فإذا تيسر له أن يدخل من باب السلام، فإنه يدخل وإلا دخل من أي الأبواب.
إذا رأى البيت رفع يديه وكبر ودعا يكبر بقوله: الله أكبر، ويدعو بقوله: اللهم إن بيتك عظيم، ووجهك كريم، وأنت يا ربي عظيم كريم تحب العفو فاعف عني، أو يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام، وأدخلنا الجنة دار السلام، يدعو بما تيسر، وإذا قال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة ورفعة وبرا، وزد من كرمه أو من حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما ومهابة ورفعة وبرا.
يبتدئ طوافه من الحجر الأسود، يحاذي الحجر الأسود الذي هو الركن الشرقي الجنوبي، وبينه وبين الباب نحو متر باب الكعبة، إذا كان معتمرا يطوف للعمرة، وإذا كان مفردا أو قارنا يطوف للقدوم، وطواف القدوم سنة، ولكنه سنة مؤكدة، وطواف العمرة ركن من أركانها، ثم يضطبع بردائه ليكون أنشط له يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن وتحت إبطه الأيمن، ويفدي منكبه وعضده اليمنى ويستر منكبه الأيسر، فيجعل عليه طرفي الرداء يجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن، وطرفي الرداء على الأيسر، إذا ابتدأ فإنه لا بد أن يحاذي الحجر ببدنه، الحجر الأسود فإن استطاع أن يصل إليه قبله، وذلك بوضع شفتيه عليه من غير تصويت، الحجر الأسود مكانه الآن أو في مكانه الآن، ولكن جعلت عليه هذه الصبات الرصاصية، ألصقت أو ظهرت كسر منه ملصقة بذلك الرصاص، وكان قديما حجرا كبيرا يمكن أن يكون وزنه ثلاث كيلو أو نحوها، ثم تناقص لما كسره أو كلأه القرامطة في سنة ثلاثمائة وسبعة عشر، فإذا عجز عن تقبيله استلمه بيده وقبلها، فإذا عجز استلمه بعصا وقبل العصى، فإذا عجز لشدة الزحام، أشار إليه بيده وقال: الله أكبر ومشى ولا يقبل يده، يسير عن يمينه، يجعل البيت عن يساره ويستدير، ويطوف من وراء الحجر، الحجر الذي هو كنصف دائرة من الجهة الشمالية، فيطوف من وراء الحجر، وإذا وصل إلى الركن اليماني الذي هو الركن الجنوبي الغربي زاوية البيت الجنوبية الغربية استلمه بأن يضع يده عليه ولا يقبله، أجاز بعضهم أن يقبل يده، ولعل الأقرب أنه لا يقبل شيئا، وإنما يضع يده عليه، ولا يمسحه ولا يقبله ولا يمسه بيده، وإنما يقتصر على يد واحدة أن يمسه بيده اليمنى.
يطوف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأول الرمل إسراع المشي مع مقاربة الخطى وهز المنكبين، سبب هذا الرمل أن المشركين في سنة سبع لما جاء المسلمون معتمرين أرادوا أن يهونوا من شأنهم، وأن يضعفوا رأيهم عند سفهائهم، فقالوا: يقدم عليكم اليوم قوم قد وهنتهم حمى يثرب، يثرب اسم للمدينة وهنتهم، يعني: أوهنتهم وأضعفتهم أضعفت قواهم وأنهكتهم يريدون بذلك ألا يرى سفهاؤهم لهم قدرهم، وأنهم ضعفاء، وأنهم لا شيء عندهم، ولما بلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بالرمل حتى يظهروا جلدهم ونشاطهم، وكان المشركون جالسين على جبل قعيقعة الذي هو في جهة الشمال محاذيا للحجاز، من وراء البيت وهو مرتفع ينظرون إليهم، فلما رأوهم يرملون ويسرعون تعجبوا، وقالوا: كيف تقولون: قد وهنتهم الحمى، ما هم إلا كالغزلان، وما منعهم أن يرملوا في الأشواط كلها إلا الإبقاء والرفق عليهم.
وكلما حاذى الحجر الأسود قال: الله أكبر، أو قال لا إله إلا الله والله أكبر ويقول بين الركنين بين اليماني وبين الحجر الأسود: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ حفظت هذه الدعوة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا المكان، يدعو بما أحب، وليس للطواف دعاء مخصوص خلافا لما يعتقده كثيرون.
وهذه الأدعية التي بالمناسك دعاء الشوط الأول، ودعاء الشوط الثاني، ودعاء الشوط الثالث، ليست لازمة وليست ضرورية عليه أن يدعو بها أو بغيرها، فلو جمعها في شوط واحد أو قدم بعضها وأخر بعضها فلا حرج عليه، وكذلك لو دعا بدعاء الملتزم أو بدعاء الحجر أو بدعاء المقام، فإن ذلك كله جائز لا يلزم الالتزام بشيء من ذلك، يدعو بما أحب.
ولا رمل على النساء ؛ لأن المرأة مأمورة بالتستر، وقد يكون الرمل سببا في تكشف بعض بدنها، "ولا على أهل مكة" وذلك لأنه ليس لهم عمرة، وليس عليهم طواف قدوم ولا عليهم اضطباع، وليس هناك رمل إلا في هذا الطواف، فلا يرملوا في طواف الإفاضة ولا في طواف التطوع ولا في طواف الوداع.
يشترط على الطواف شروط:
الأول:الطهارة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعائشة: افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري منعها من أن تطوف وهي عليها نجاسة العذر عذر الحيض، فدل على أنه يشترط للطواف الطهارة، وقال الله -تعالى-: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ أمر بتطهير البيت للطائفين، فيلزم أن يكون الطائف طاهرا.
الشرط الثاني: الستر، أي: ستر العورة كالصلاة، فلا يطوف عريانا، خلافا لأهل الجاهلية، فكانوا إذا قدموا ولم يجدوا ثوبا من أهل مكة طافو عراة، ويقولون: لن نطوف بالبيت بثيابنا التي عصينا فيها؛ تعظيما للبيت -بزعمهم-، فنهى الله عن ذلك وقال تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ قال الإمام أحمد: وأجمع الناس على أنها في الصلاة، فبطريق الأولى الطواف.
من شروط الطواف: أن يكون متواليا، فإذا قطعه بطل، إذا طاف ثلاثة أشواط، ثم جلس بدون عذر، ثم أراد أن يكمل فإنه لا بد أن يستأنف، لو انتقض وضوءه وذهب ليتوضأ ربع ساعة أو ثلث ساعة فله أن يواصل، وأما إذا طال الفصل فعليه أن يستأنف.
ومن شروطه: أن يجعل البيت عن يساره، فلا يصح أن يطوف معاكسا للناس.
فمن شروطه: أن يطوف من وراء الحجر، فلو طاف من داخل الحجر ما كفاه.
بعد ذلك يصلي ركعتين خلف المقام، أي: خلف مقام إبراهيم، مقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقوم عليه لما كان يبني الكعبة، يقف عليه، وقد أثرت قدماه في ذلك الحجر، فاحتفظ بالحجر ذكره أبو طالب في لاميته يقول:
وموقع إبراهيم في الصخر رطبة
على قدميه حافيا غير ناعل
يعني: أثرت قدماه بذلك الصخر من طول وقوفه عليه فاحتفظ بهذا الحجر، ويوجد في هذا المكان الذي عليه زجاج موضع ذلك الحجر، قال الله -تعالى-: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ فجعله من الآيات البينات، إذا شق عليه صلى في أية مكان، إذا كان ذلك المكان مزدحما، فله أن يتأخر، وله أن يصلي ولو قرب زمزم ولو في المصابيح؛ وذلك لأن الصلاة إنما هي سنة، وجعل هذا المكان أولى، فإذا لم يتيسر من الزحام فإنه يبتعد، قد يكون في الموسم الزحام يتجاوز زمزم، زحام الحجاج يملأ الساحة كلها.