يتبع تفسير سورة النســــــاء
من ايه92الى ايه102
92
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا" أَيْ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُر مِنْهُ قَتْل لَهُ "إلَّا خَطَأ" مُخْطِئًا فِي قَتْله مِنْ غَيْر قَصْد "وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ" بِأَنْ قَصَدَ رَمْي غَيْره كَصَيْدٍ أَوْ شَجَرَة فَأَصَابَهُ أَوْ ضَرَبَهُ بِمَا لَا يَقْتُل غَالِبًا "فَتَحْرِير" عِتْق "رَقَبَة" نَسَمَة "مُؤْمِنَة" عَلَيْهِ "وَدِيَة مُسَلَّمَة" مُؤَدَّاة "إلَى أَهْله" أَيْ وَرَثَة الْمَقْتُول "إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا" يَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ بِهَا بِأَنْ يَعْفُوا عَنْهَا وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّهَا مِائَة مِنْ الْإِبِل عِشْرُونَ بِنْت مَخَاض وَكَذَا بَنَات لَبُون وَبَنُو لَبُون وَحِقَاق وَجِذَاع وَأَنَّهَا عَلَى عَاقِلَة الْقَاتِل وَهُمْ عَصَبَته فِي الْأَصْل وَالْفَرْع مُوَزَّعَة عَلَيْهِمْ عَلَى ثَلَاث سِنِينَ عَلَى الْغَنِيّ مِنْهُمْ نِصْف دِينَار وَالْمُتَوَسِّط رُبُع كُلّ سَنَة فَإِنْ لَمْ يَفُوا فَمِنْ بَيْت الْمَال فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْجَانِي "فَإِنْ كَانَ" الْمَقْتُول "مِنْ قَوْم عَدُوّ" حَرْب "لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة" عَلَى قَاتِله كَفَّارَة وَلَا دِيَة تُسَلَّم إلَى أَهْله لِحِرَابَتِهِمْ "وَإِنْ كَانَ" الْمَقْتُول "مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق" عَهْد كَأَهْلِ الذِّمَّة "فَدِيَة" لَهُ "مُسَلَّمَة إلَى أَهْله" وَهِيَ ثُلُث دِيَة الْمُؤْمِن إنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَثُلُثَا عُشْرهَا إنْ كَانَ مَجُوسِيًّا "وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة" عَلَى قَاتِله "فَمَنْ لَمْ يَجِد" الرَّقَبَة بِأَنْ فَقَدَهَا وَمَا يُحَصِّلهَا بِهِ "فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ" عَلَيْهِ كَفَّارَة وَلَمْ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى الِانْتِقَال إلَى الطَّعَام كَالظِّهَارِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيّ فِي أَصَحّ قَوْلَيْهِ "تَوْبَة مِنْ اللَّه" مَصْدَر مَنْصُوب بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر "وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا" بِخَلْقِهِ "حَكِيمًا" فِيمَا دَبَّرَهُ لَهُمْ
93
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا
"وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا" بِأَنْ يَقْصِد قَتْله بِمَا يَقْتُل غَالِبًا بِإِيمَانِهِ "فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ" أَبْعَدَهُ مِنْ رَحْمَته "وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" فِي النَّار وَهَذَا مُؤَوَّل بِمَنْ يَسْتَحِلّهُ أَوْ بِأَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ إنْ جُوزِيَ وَلَا بِدْع فِي خَلْف الْوَعِيد لِقَوْلِهِ "وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء" وَعَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهَا عَلَى ظَاهِرهَا وَأَنَّهَا نَاسِخَة لِغَيْرِهَا مِنْ آيَات الْمَغْفِرَة وَبَيَّنَتْ آيَة الْبَقَرَة أَنَّ قَاتِل الْعَمْد يُقْتَل بِهِ وَأَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَة إنْ عُفِيَ عَنْهُ وَسَبَقَ قَدْرهَا وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ بَيْن الْعَمْد وَالْخَطَأ قَتْلًا يُسَمَّى شِبْه الْعَمْد وَهُوَ أَنْ يَقْتُلهُ بِمَا لَا يَقْتُل غَالِبًا فَلَا قِصَاص فِيهِ بَلْ دِيَة كَالْعَمْدِ فِي الصِّفَة وَالْخَطَأ فِي التَّأْجِيل وَالْحَمْل وَهُوَ الْعَمْد أَوْلَى بِالْكَفَّارَةِ مِنْ الْخَطَأ
94
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ
وَنَزَلَ لَمَّا مَرَّ نَفَر مِنْ الصَّحَابَة بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْم وَهُوَ يَسُوق غَنَمًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مَا سَلَّمَ عَلَيْنَا إلَّا تَقِيَّة فَقَتَلُوهُ وَاسْتَاقُوا غَنَمه "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ" سَافَرْتُمْ لِلْجِهَادِ , "فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا" وَفِي قِرَاءَة فَتَثَبَّتُوا فِي الْمَوْضِعَيْنِ "وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمْ السَّلَام" بِأَلِفٍ أَوْ دُونهَا أَيْ التَّحِيَّة أَوْ الِانْقِيَاد بِكَلِمَةِ الشَّهَادَة الَّتِي هِيَ أَمَارَة عَلَى الْإِسْلَام "لَسْت مُؤْمِنًا" إنَّمَا قُلْت هَذَا تَقِيَّة لِنَفْسِك وَمَالِك فَتَقْتُلُوهُ "تَبْتَغُونَ" تَطْلُبُونَ لِذَلِكَ "عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا" مَتَاعهَا مِنْ الْغَنِيمَة "فَعِنْد اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة" تُغْنِيكُمْ عَنْ قَتْل مِثْله لِمَالِهِ "كَذَلِك كُنْتُمْ مِنْ قَبْل" تُعْصَم دِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالكُمْ بِمُجَرَّدِ قَوْلكُمْ الشَّهَادَة "فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ" بِالِاشْتِهَارِ بِالْإِيمَانِ وَالِاسْتِقَامَة "فَتَبَيَّنُوا" أَنْ تَقْتُلُوا مُؤْمِنًا وَافْعَلُوا بِالدَّاخِلِ فِي الْإِسْلَام كَمَا فُعِلَ بِكُمْ "إنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
95
لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
"لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ" عَنْ الْجِهَاد "غَيْر أُولِي الضَّرَر" بِالرَّفْعِ صِفَة وَالنَّصْب اسْتِثْنَاء مِنْ زَمَانَة أَوْ عَمًى وَنَحْوه "وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ" لِضَرَرٍ "دَرَجَة" فَضِيلَة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النِّيَّة وَزِيَادَة الْمُجَاهِدِينَ بِالْمُبَاشَرَةِ "وَكُلًّا" مِنْ الْفَرِيقَيْنِ "وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى" الْجَنَّة "وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ" لِغَيْرِ ضَرَر "أَجْرًا عَظِيمًا"
96
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
"دَرَجَات مِنْهُ" مَنَازِل بَعْضهَا فَوْق بَعْض مِنْ الْكَرَامَة "وَمَغْفِرَة وَرَحْمَة" مَنْصُوبَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمُقَدَّر "وَكَانَ اللَّه غَفُورًا" لِأَوْلِيَائِهِ "رَحِيمًا" بِأَهْلِ طَاعَته
97
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
"إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ" بِالْمُقَامِ مَعَ الْكُفَّار وَتَرْك الْهِجْرَة وَنَزَلَ فِي جَمَاعَة أَسْلَمُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فَقُتِلُوا يَوْم بَدْر مَعَ الْكُفَّار : "قَالُوا" لَهُمْ مُوَبِّخِينَ "فِيمَ كُنْتُمْ" أَيْ فِي شَيْء كُنْتُمْ فِي أَمْر دِينكُمْ "قَالُوا" مُعْتَذِرِينَ "كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ" عَاجِزِينَ عَنْ إقَامَة الدِّين "فِي الْأَرْض" أَرْض مَكَّة "قَالُوا" لَهُمْ تَوْبِيخًا "أَلَمْ تَكُنْ أَرْض اللَّه وَاسِعَة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا" مِنْ أَرْض الْكُفْر إلَى بَلَد آخَر كَمَا فَعَلَ خَيْركُمْ "فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا" هِيَ
98
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا
"إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان" الَّذِينَ "لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة" الَّذِينَ لَا قُوَّة لَهُمْ عَلَى الْهِجْرَة وَلَا نَفَقَة "وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا" طَرِيقًا إلَى أَرْض الْهِجْرَة
99
فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا
هَذَا الَّذِي لَا حِيلَة لَهُ فِي الْهِجْرَة لَا ذَنْب لَهُ حَتَّى يُعْفَى عَنْهُ ; وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّم أَنَّهُ يَجِب تَحَمُّل غَايَة الْمَشَقَّة فِي الْهِجْرَة , حَتَّى إِنَّ مَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ تِلْكَ الْمَشَقَّة يُعَاقَب فَأَزَالَ اللَّه ذَلِكَ الْوَهْم ; إِذْ لَا يَجِب تَحَمُّل غَايَة الْمَشَقَّة , بَلْ كَانَ يَجُوز تَرْك الْهِجْرَة عِنْد فَقَدْ الزَّاد وَالرَّاحِلَة . فَمَعْنَى الْآيَة ; فَأُولَئِكَ لَا يُسْتَقْصَى عَلَيْهِمْ فِي الْمُحَاسَبَة ; وَلِهَذَا قَالَ : " وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا غَفُورًا " وَالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل فِي حَقّه تَعَالَى وَاحِد , وَقَدْ تَقَدَّمَ .
100
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
"وَمَنْ يُهَاجِر فِي سَبِيل اللَّه يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا" مُهَاجِرًا "كَثِيرًا وَسَعَة" فِي الرِّزْق "وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت" فِي الطَّرِيق كَمَا وَقَعَ لجندع بْن ضَمْرَة اللَّيْثِيّ "فَقَدْ وَقَعَ" ثَبَتَ
101
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا
"وَإِذَا ضَرَبْتُمْ" سَافَرْتُمْ "فِي الْأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح" فِي "أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة" بِأَنْ تَرُدُّوهَا مِنْ أَرْبَع إلَى اثْنَتَيْنِ "إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ" أَيْ يَنَالكُمْ بِمَكْرُوهٍ "الَّذِينَ كَفَرُوا" بَيَان لِلْوَاقِعِ إذْ ذَاكَ فَلَا مَفْهُوم لَهُ وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ الْمُرَاد بِالسَّفَرِ الطَّوِيل وَهُوَ أَرْبَع بُرُد وَهِيَ مَرْحَلَتَانِ . وَيُؤْخَذ مِنْ قَوْله تَعَالَى : "فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح" أَنَّهُ رُخْصَة لَا وَاجِب وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ "إنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا" بَيِّنِي الْعَدَاوَة
102
وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
"وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ" يَا مُحَمَّد حَاضِرًا "فِيهِمْ" وَأَنْتُمْ تَخَافُونَ الْعَدُوّ "فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة" وَهَذَا جَرْي عَلَى عَادَة الْقُرْآن فِي الْخِطَاب "فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك" وَتَتَأَخَّر طَائِفَة "وَلْيَأْخُذُوا" أَيْ الطَّائِفَة الَّتِي قَامَتْ مَعَك "أَسْلِحَتهمْ" مَعَهُمْ "فَإِذَا سَجَدُوا" أَيْ صَلَّوْا "فَلْيَكُونُوا" أَيْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى "مِنْ وَرَائِكُمْ" يَحْرُسُونَ إلَى أَنْ تَقْضُوا الصَّلَاة وَتَذْهَب هَذِهِ الطَّائِفَة تَحْرُس "وَلْتَأْتِ طَائِفَة أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك وَلْيَأْخُذُوا حِذْرهمْ وَأَسْلِحَتهمْ" مَعَهُمْ إلَى أَنْ تَقْضُوا الصَّلَاة وَقَدْ فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِك بِبَطْنِ نَخْل رَوَاهُ الشَّيْخَانِ "وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ" إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاة "عَنْ أَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَة وَاحِدَة" بِأَنْ يَحْمِلُوا عَلَيْكُمْ فَيَأْخُذُوكُمْ وَهَذَا عِلَّة الْأَمْر بِأَخْذِ السِّلَاح "وَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَر أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتكُمْ" فَلَا تَحْمِلُوهَا وَهَذَا يُفِيد إيجَاب حَمْلهَا عِنْد عَدَم الْعُذْر وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ سُنَّة وَرَجَحَ "وَخُذُوا حِذْركُمْ" مِنْ الْعَدُوّ أَيْ احْتَرِزُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ "إنَّ اللَّه أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا" ذَا إهَانَة
من ايه92الى ايه102
92
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا" أَيْ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُر مِنْهُ قَتْل لَهُ "إلَّا خَطَأ" مُخْطِئًا فِي قَتْله مِنْ غَيْر قَصْد "وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأ" بِأَنْ قَصَدَ رَمْي غَيْره كَصَيْدٍ أَوْ شَجَرَة فَأَصَابَهُ أَوْ ضَرَبَهُ بِمَا لَا يَقْتُل غَالِبًا "فَتَحْرِير" عِتْق "رَقَبَة" نَسَمَة "مُؤْمِنَة" عَلَيْهِ "وَدِيَة مُسَلَّمَة" مُؤَدَّاة "إلَى أَهْله" أَيْ وَرَثَة الْمَقْتُول "إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا" يَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ بِهَا بِأَنْ يَعْفُوا عَنْهَا وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّهَا مِائَة مِنْ الْإِبِل عِشْرُونَ بِنْت مَخَاض وَكَذَا بَنَات لَبُون وَبَنُو لَبُون وَحِقَاق وَجِذَاع وَأَنَّهَا عَلَى عَاقِلَة الْقَاتِل وَهُمْ عَصَبَته فِي الْأَصْل وَالْفَرْع مُوَزَّعَة عَلَيْهِمْ عَلَى ثَلَاث سِنِينَ عَلَى الْغَنِيّ مِنْهُمْ نِصْف دِينَار وَالْمُتَوَسِّط رُبُع كُلّ سَنَة فَإِنْ لَمْ يَفُوا فَمِنْ بَيْت الْمَال فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْجَانِي "فَإِنْ كَانَ" الْمَقْتُول "مِنْ قَوْم عَدُوّ" حَرْب "لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة" عَلَى قَاتِله كَفَّارَة وَلَا دِيَة تُسَلَّم إلَى أَهْله لِحِرَابَتِهِمْ "وَإِنْ كَانَ" الْمَقْتُول "مِنْ قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ مِيثَاق" عَهْد كَأَهْلِ الذِّمَّة "فَدِيَة" لَهُ "مُسَلَّمَة إلَى أَهْله" وَهِيَ ثُلُث دِيَة الْمُؤْمِن إنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا وَثُلُثَا عُشْرهَا إنْ كَانَ مَجُوسِيًّا "وَتَحْرِير رَقَبَة مُؤْمِنَة" عَلَى قَاتِله "فَمَنْ لَمْ يَجِد" الرَّقَبَة بِأَنْ فَقَدَهَا وَمَا يُحَصِّلهَا بِهِ "فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ" عَلَيْهِ كَفَّارَة وَلَمْ يَذْكُر اللَّه تَعَالَى الِانْتِقَال إلَى الطَّعَام كَالظِّهَارِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيّ فِي أَصَحّ قَوْلَيْهِ "تَوْبَة مِنْ اللَّه" مَصْدَر مَنْصُوب بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر "وَكَانَ اللَّه عَلِيمًا" بِخَلْقِهِ "حَكِيمًا" فِيمَا دَبَّرَهُ لَهُمْ
93
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا
"وَمَنْ يَقْتُل مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا" بِأَنْ يَقْصِد قَتْله بِمَا يَقْتُل غَالِبًا بِإِيمَانِهِ "فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ" أَبْعَدَهُ مِنْ رَحْمَته "وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" فِي النَّار وَهَذَا مُؤَوَّل بِمَنْ يَسْتَحِلّهُ أَوْ بِأَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ إنْ جُوزِيَ وَلَا بِدْع فِي خَلْف الْوَعِيد لِقَوْلِهِ "وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء" وَعَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهَا عَلَى ظَاهِرهَا وَأَنَّهَا نَاسِخَة لِغَيْرِهَا مِنْ آيَات الْمَغْفِرَة وَبَيَّنَتْ آيَة الْبَقَرَة أَنَّ قَاتِل الْعَمْد يُقْتَل بِهِ وَأَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَة إنْ عُفِيَ عَنْهُ وَسَبَقَ قَدْرهَا وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ بَيْن الْعَمْد وَالْخَطَأ قَتْلًا يُسَمَّى شِبْه الْعَمْد وَهُوَ أَنْ يَقْتُلهُ بِمَا لَا يَقْتُل غَالِبًا فَلَا قِصَاص فِيهِ بَلْ دِيَة كَالْعَمْدِ فِي الصِّفَة وَالْخَطَأ فِي التَّأْجِيل وَالْحَمْل وَهُوَ الْعَمْد أَوْلَى بِالْكَفَّارَةِ مِنْ الْخَطَأ
94
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ
وَنَزَلَ لَمَّا مَرَّ نَفَر مِنْ الصَّحَابَة بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْم وَهُوَ يَسُوق غَنَمًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مَا سَلَّمَ عَلَيْنَا إلَّا تَقِيَّة فَقَتَلُوهُ وَاسْتَاقُوا غَنَمه "يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا ضَرَبْتُمْ" سَافَرْتُمْ لِلْجِهَادِ , "فِي سَبِيل اللَّه فَتَبَيَّنُوا" وَفِي قِرَاءَة فَتَثَبَّتُوا فِي الْمَوْضِعَيْنِ "وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إلَيْكُمْ السَّلَام" بِأَلِفٍ أَوْ دُونهَا أَيْ التَّحِيَّة أَوْ الِانْقِيَاد بِكَلِمَةِ الشَّهَادَة الَّتِي هِيَ أَمَارَة عَلَى الْإِسْلَام "لَسْت مُؤْمِنًا" إنَّمَا قُلْت هَذَا تَقِيَّة لِنَفْسِك وَمَالِك فَتَقْتُلُوهُ "تَبْتَغُونَ" تَطْلُبُونَ لِذَلِكَ "عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا" مَتَاعهَا مِنْ الْغَنِيمَة "فَعِنْد اللَّه مَغَانِم كَثِيرَة" تُغْنِيكُمْ عَنْ قَتْل مِثْله لِمَالِهِ "كَذَلِك كُنْتُمْ مِنْ قَبْل" تُعْصَم دِمَاؤُكُمْ وَأَمْوَالكُمْ بِمُجَرَّدِ قَوْلكُمْ الشَّهَادَة "فَمَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ" بِالِاشْتِهَارِ بِالْإِيمَانِ وَالِاسْتِقَامَة "فَتَبَيَّنُوا" أَنْ تَقْتُلُوا مُؤْمِنًا وَافْعَلُوا بِالدَّاخِلِ فِي الْإِسْلَام كَمَا فُعِلَ بِكُمْ "إنَّ اللَّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
95
لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
"لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ" عَنْ الْجِهَاد "غَيْر أُولِي الضَّرَر" بِالرَّفْعِ صِفَة وَالنَّصْب اسْتِثْنَاء مِنْ زَمَانَة أَوْ عَمًى وَنَحْوه "وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ" لِضَرَرٍ "دَرَجَة" فَضِيلَة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النِّيَّة وَزِيَادَة الْمُجَاهِدِينَ بِالْمُبَاشَرَةِ "وَكُلًّا" مِنْ الْفَرِيقَيْنِ "وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى" الْجَنَّة "وَفَضَّلَ اللَّه الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ" لِغَيْرِ ضَرَر "أَجْرًا عَظِيمًا"
96
دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
"دَرَجَات مِنْهُ" مَنَازِل بَعْضهَا فَوْق بَعْض مِنْ الْكَرَامَة "وَمَغْفِرَة وَرَحْمَة" مَنْصُوبَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمُقَدَّر "وَكَانَ اللَّه غَفُورًا" لِأَوْلِيَائِهِ "رَحِيمًا" بِأَهْلِ طَاعَته
97
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
"إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة ظَالِمِي أَنْفُسهمْ" بِالْمُقَامِ مَعَ الْكُفَّار وَتَرْك الْهِجْرَة وَنَزَلَ فِي جَمَاعَة أَسْلَمُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فَقُتِلُوا يَوْم بَدْر مَعَ الْكُفَّار : "قَالُوا" لَهُمْ مُوَبِّخِينَ "فِيمَ كُنْتُمْ" أَيْ فِي شَيْء كُنْتُمْ فِي أَمْر دِينكُمْ "قَالُوا" مُعْتَذِرِينَ "كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ" عَاجِزِينَ عَنْ إقَامَة الدِّين "فِي الْأَرْض" أَرْض مَكَّة "قَالُوا" لَهُمْ تَوْبِيخًا "أَلَمْ تَكُنْ أَرْض اللَّه وَاسِعَة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا" مِنْ أَرْض الْكُفْر إلَى بَلَد آخَر كَمَا فَعَلَ خَيْركُمْ "فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَسَاءَتْ مَصِيرًا" هِيَ
98
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا
"إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَان" الَّذِينَ "لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة" الَّذِينَ لَا قُوَّة لَهُمْ عَلَى الْهِجْرَة وَلَا نَفَقَة "وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا" طَرِيقًا إلَى أَرْض الْهِجْرَة
99
فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا
هَذَا الَّذِي لَا حِيلَة لَهُ فِي الْهِجْرَة لَا ذَنْب لَهُ حَتَّى يُعْفَى عَنْهُ ; وَلَكِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّم أَنَّهُ يَجِب تَحَمُّل غَايَة الْمَشَقَّة فِي الْهِجْرَة , حَتَّى إِنَّ مَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ تِلْكَ الْمَشَقَّة يُعَاقَب فَأَزَالَ اللَّه ذَلِكَ الْوَهْم ; إِذْ لَا يَجِب تَحَمُّل غَايَة الْمَشَقَّة , بَلْ كَانَ يَجُوز تَرْك الْهِجْرَة عِنْد فَقَدْ الزَّاد وَالرَّاحِلَة . فَمَعْنَى الْآيَة ; فَأُولَئِكَ لَا يُسْتَقْصَى عَلَيْهِمْ فِي الْمُحَاسَبَة ; وَلِهَذَا قَالَ : " وَكَانَ اللَّه عَفُوًّا غَفُورًا " وَالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل فِي حَقّه تَعَالَى وَاحِد , وَقَدْ تَقَدَّمَ .
100
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
"وَمَنْ يُهَاجِر فِي سَبِيل اللَّه يَجِد فِي الْأَرْض مُرَاغَمًا" مُهَاجِرًا "كَثِيرًا وَسَعَة" فِي الرِّزْق "وَمَنْ يَخْرُج مِنْ بَيْته مُهَاجِرًا إلَى اللَّه وَرَسُوله ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت" فِي الطَّرِيق كَمَا وَقَعَ لجندع بْن ضَمْرَة اللَّيْثِيّ "فَقَدْ وَقَعَ" ثَبَتَ
101
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا
"وَإِذَا ضَرَبْتُمْ" سَافَرْتُمْ "فِي الْأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح" فِي "أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاة" بِأَنْ تَرُدُّوهَا مِنْ أَرْبَع إلَى اثْنَتَيْنِ "إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنكُمْ" أَيْ يَنَالكُمْ بِمَكْرُوهٍ "الَّذِينَ كَفَرُوا" بَيَان لِلْوَاقِعِ إذْ ذَاكَ فَلَا مَفْهُوم لَهُ وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ الْمُرَاد بِالسَّفَرِ الطَّوِيل وَهُوَ أَرْبَع بُرُد وَهِيَ مَرْحَلَتَانِ . وَيُؤْخَذ مِنْ قَوْله تَعَالَى : "فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح" أَنَّهُ رُخْصَة لَا وَاجِب وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ "إنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا" بَيِّنِي الْعَدَاوَة
102
وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا
"وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ" يَا مُحَمَّد حَاضِرًا "فِيهِمْ" وَأَنْتُمْ تَخَافُونَ الْعَدُوّ "فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاة" وَهَذَا جَرْي عَلَى عَادَة الْقُرْآن فِي الْخِطَاب "فَلْتَقُمْ طَائِفَة مِنْهُمْ مَعَك" وَتَتَأَخَّر طَائِفَة "وَلْيَأْخُذُوا" أَيْ الطَّائِفَة الَّتِي قَامَتْ مَعَك "أَسْلِحَتهمْ" مَعَهُمْ "فَإِذَا سَجَدُوا" أَيْ صَلَّوْا "فَلْيَكُونُوا" أَيْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى "مِنْ وَرَائِكُمْ" يَحْرُسُونَ إلَى أَنْ تَقْضُوا الصَّلَاة وَتَذْهَب هَذِهِ الطَّائِفَة تَحْرُس "وَلْتَأْتِ طَائِفَة أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك وَلْيَأْخُذُوا حِذْرهمْ وَأَسْلِحَتهمْ" مَعَهُمْ إلَى أَنْ تَقْضُوا الصَّلَاة وَقَدْ فَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِك بِبَطْنِ نَخْل رَوَاهُ الشَّيْخَانِ "وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ" إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاة "عَنْ أَسْلِحَتكُمْ وَأَمْتِعَتكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَة وَاحِدَة" بِأَنْ يَحْمِلُوا عَلَيْكُمْ فَيَأْخُذُوكُمْ وَهَذَا عِلَّة الْأَمْر بِأَخْذِ السِّلَاح "وَلَا جُنَاح عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَر أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتكُمْ" فَلَا تَحْمِلُوهَا وَهَذَا يُفِيد إيجَاب حَمْلهَا عِنْد عَدَم الْعُذْر وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ سُنَّة وَرَجَحَ "وَخُذُوا حِذْركُمْ" مِنْ الْعَدُوّ أَيْ احْتَرِزُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ "إنَّ اللَّه أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا" ذَا إهَانَة