الشيخ زايد أرسى أبوظبي على أسس عصرية وكتب قصة اتحاد الإمارات
أبوظبي - لندن: «الشرق الأوسط»
ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1918م في قصر الحصن بأبوظبي. وهو الابن الرابع للشيخ سلطان بن زايد آل نهيان الذي حكم إمارة أبوظبي في الفترة الواقعة بين عامي 1922 و1926م. وبعد وفاة الشيخ سلطان تولى زمام الحكم الشيخ شخبوط، الأخ الأكبر للشيخ زايد، وفق رغبة العائلة. في تلك الفترة كانت أبوظبي واحدة من الإمارات المتصالحة في ما كان يعرف بساحل عمان أو الساحل المتصالح. في تلك الفترة كانت أبو ظبي إمارة صغيرة ترتبط بمعاهدات مع بريطانيا، ويعتمد اقتصادها على صيد السمك وتجارة اللؤلؤ والزراعة البسيطة المنتشرة في الواحات المتناثرة هنا وهناك.
وبدأ زايد في سنواته الأولى قراءة القرآن الكريم وحفظ بعضه في المرحلة الثانية، كما تعلم أحكام الدين. وانتقل من أبوظبي إلى العين حيث ترعرع وأمضى فترة شبابه الأولى فيها. وأغنت حياة الصحراء شخصيته المتميزة بالانشراح وسعة الصدر ونفاذ البصيرة وطول البال. كما أحب بجانب انكبابه على أسباب المعرفة، حياة البادية، فلازم البدو في الصحراء، مستفيداً من تجربة فريدة في مجال التعمق في الطبيعة ومعرفة المزيد عن تراث آبائه وأجداده. وأتقن في هذه المرحلة من حياته الصيد الذي صار شغفه الدائم، وعرف عنه لسنوات طويلة قيامه برحلات الصيد بعيداً عن ضجيج المدينة وروتين الحياة اليومية. والحقيقة انه نتيجة لتجربة الشيخ زايد الغنية في الصحراء ومعرفته بسكانها وحياتهم وطباعهم وتعلمه الكثير عنهم، كان الخيار الأفضل ليكون في ما بعد مرشداً لأعضاء شركة التنقيب عن البترول عندما جاءت الى أبوظبي. ونتيجة احتكاكه بالشركة تعرّف إلى الصناعة التي ساهمت في إحداث تغيير ملحوظ في شخصيته وفي شعبه.
وعام 1946، برزت حاجة ملحة لوجود ممثل للحاكم في منطقة العين، التي كانت تضم تسع قرى. واختير الشيخ زايد ـ وهو في سن الثامنة والعشرين ـ لتولي المنصب بعدما حظي بثقة الناس وحبهم، بجانب إعجاب أخيه شخبوط به. ورغم حداثة سنه نجح في أداء مسؤولياته وتمكن من تحقيق الكثير من الإنجازات. إذ غير طبيعة ملكية الموارد المائية، ووزعها بالتساوي على جميع المناطق، مما أثّر إيجاباً في انتعاش المنطقة بأكملها فزاد الإنتاج وتحقق الازدهار. ونجح في تنمية الزراعة وحفر الأفلاج بالطرق التقليدية بهدف خلق بيئة إنمائية ينتفع بها الناس. كما تنامت تطلعات زايد خارج بيئته، واطلع على بيئات جديدة خلال رحلاته الخارجية ومشاهداته التي وسعت مداركه وبدأ يفكر في الإصلاح والتطور للأحسن. أيضاً، إبان إدارته منطقة العين، تمكن الشيخ زايد من تطوير مهاراته القيادية معتمداً في قراراته على أسلوب المشورة. وواكب تطور مدينة العين موسعاً البقعة الزراعية، وأمر بزراعة الأشجار فيها مما أكسبها رونقاً جعلها من أجمل المدن العربية. كما اتسمت شخصيته بالحلم والقرار المتزن المتروي، وساعده ذلك في حل كثير من الخلافات، ليس بين القبائل المحلية فحسب، بل ما كان بين بعض الدول الشقيقة المجاورة من نزاعات قديمة عالقة. واكتسب مع مرور الوقت الكثير من الخبرة الدبلوماسية التي أثبتت جدواها وحصدت ثمارها في ما بعد. وقبل توليه منصب الحاكم تعرف على العالم الخارجي بأول زيارة له إلى بريطانيا ثم فرنسا عام 1953، وبعدها زار الولايات المتحدة ولبنان والعراق ومصر وسورية والهند وإيران.
عام 1962م، بدأت أبوظبي ثورتها الصناعية، بتصدير أوّل شحنة من البترول الخام، وكان لهذه الثورة أثر كبير وعميق في نفوس السكان الذين بدا عليهم التفاؤل بتحسن أوضاعهم المعيشية أسوةً بأقرانهم في الدول الخليجية الأخرى، وكان لزيارة الشيخ زايد لكل من بريطانيا وفرنسا عام 1953م، واطلاعه على المدارس والمستشفيات هناك الأثر الأكبر في تطور نظرته للمستقبل، إذ قرر بعد ذلك إنشاء مثل هذه المرافق المهمة في مدينة أبوظبي.
في تلك الفترة، تبنى الحاكم (لسابق) الشيخ شخبوط الذي اعتاد على الصعوبات الاقتصادية في العقدين الماضيين رأياً متحفظاً مختلفاً عن رأي أخيه الشيخ زايد إزاء مشاريع التنمية. إذ فضّل الشيخ شخبوط الاقتصاد في إنفاق الأموال على التطور العام مما أوجد شعوراً بالإحباط في أوساط العائلة. وفي نهاية المطاف وخلال اجتماع لأسرة آل نهيان جرى إقناعه بالتنازل عن الحكم لأخيه في السادس من أغسطس (آب) من عام 1966، وهكذا صار الشيخ زايد حاكماً لإمارة أبوظبي. وكان أهم إجراء اتخذ بعد توليه الحكم في سبيل تطوير إمارة أبوظبي إرساء قواعد الإدارة الحكومية وتنظيمها على أسس عصرية، وتنفيذ مشاريع سريعة وأخرى طويلة الأمد في شتى مجالات الحياة. كما أصدر مرسوماً يستهدف تطوير ديوان الحاكم، إعداد أول ميزانية في تاريخ أبوظبي. وبدأ ينظر إلى البترول كوسيلة لبناء المجتمع.
ومن اللافت للنظر أن المشاريع التنموية الضخمة التي أطلقت خلال الأسابيع الأولى لتوليه الحكم، لم تقتصر على إمارة أبوظبي. وبعد توحيد قرى مدينة العين وجه اهتمامه لتوحيد كل الإمارات الأخرى. وقدم دليلاً ملموساً على انتمائه وإخلاصه لفكرة الوحدة، إذ خصص جزءاً من عائدات النفط للإنفاق على تطوير الإمارات الأخرى، واتسع هذا الإيثار ليصبح السمة التي صبغت، إذ إن الإمارات لم تتأخر عن دعم كثير من الدول الشقيقة والصديقة الأخرى مثل البوسنة ولبنان واليمن في أوقات الشدة.
أما عن قصة دولة الاتحاد، فتبدأ من إعلان بريطانيا عام 1968 نيتها الانسحاب من المنطقة على أن يكتمل الانسحاب قبل نهاية عام 1971. وفي 18 فبراير (شباط) 1968م، وخلال لقاء للشيخ زايد مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم إمارة دبي، في السمحة، تشكلت نواه إنشاء اتحاد بين الإمارات المتصالحة، وانتهز كل من الشيخ زايد والشيخ راشد آل مكتوم الفرصة للمناداة بالوحدة بين الإمارات والبحرين وقطر، ولكن تلك الوحدة التي كانا يتطلعان إليها لم تتحقق لتردد البحرين وقطر في الانضمام للإمارات الأخرى. ولكن اليأس لم يتسلل الى قلبي الشيخين زايد وراشد ولم تخب حماستهما للمشروع الاتحادي بل تحركا فوراً لإتمام وحدة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ولدت في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) عام 1971م، تحت رئاسة الشيخ زايد، وجرى إعلان تأسيس الدولة مع حكام إمارات دبي والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة وعجمان وأم القيوين.
غير أن حرص الشيخ زايد على تعزيز اللحمة بين الشقيقات الخليجيات أتى ثماره. فيوم 25 مايو (أيار) عام 1981م ترأس الشيخ زايد أول قمة عربية أعلنت مولد «مجلس التعاون الخليجي» من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان
أبوظبي - لندن: «الشرق الأوسط»
ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1918م في قصر الحصن بأبوظبي. وهو الابن الرابع للشيخ سلطان بن زايد آل نهيان الذي حكم إمارة أبوظبي في الفترة الواقعة بين عامي 1922 و1926م. وبعد وفاة الشيخ سلطان تولى زمام الحكم الشيخ شخبوط، الأخ الأكبر للشيخ زايد، وفق رغبة العائلة. في تلك الفترة كانت أبوظبي واحدة من الإمارات المتصالحة في ما كان يعرف بساحل عمان أو الساحل المتصالح. في تلك الفترة كانت أبو ظبي إمارة صغيرة ترتبط بمعاهدات مع بريطانيا، ويعتمد اقتصادها على صيد السمك وتجارة اللؤلؤ والزراعة البسيطة المنتشرة في الواحات المتناثرة هنا وهناك.
وبدأ زايد في سنواته الأولى قراءة القرآن الكريم وحفظ بعضه في المرحلة الثانية، كما تعلم أحكام الدين. وانتقل من أبوظبي إلى العين حيث ترعرع وأمضى فترة شبابه الأولى فيها. وأغنت حياة الصحراء شخصيته المتميزة بالانشراح وسعة الصدر ونفاذ البصيرة وطول البال. كما أحب بجانب انكبابه على أسباب المعرفة، حياة البادية، فلازم البدو في الصحراء، مستفيداً من تجربة فريدة في مجال التعمق في الطبيعة ومعرفة المزيد عن تراث آبائه وأجداده. وأتقن في هذه المرحلة من حياته الصيد الذي صار شغفه الدائم، وعرف عنه لسنوات طويلة قيامه برحلات الصيد بعيداً عن ضجيج المدينة وروتين الحياة اليومية. والحقيقة انه نتيجة لتجربة الشيخ زايد الغنية في الصحراء ومعرفته بسكانها وحياتهم وطباعهم وتعلمه الكثير عنهم، كان الخيار الأفضل ليكون في ما بعد مرشداً لأعضاء شركة التنقيب عن البترول عندما جاءت الى أبوظبي. ونتيجة احتكاكه بالشركة تعرّف إلى الصناعة التي ساهمت في إحداث تغيير ملحوظ في شخصيته وفي شعبه.
وعام 1946، برزت حاجة ملحة لوجود ممثل للحاكم في منطقة العين، التي كانت تضم تسع قرى. واختير الشيخ زايد ـ وهو في سن الثامنة والعشرين ـ لتولي المنصب بعدما حظي بثقة الناس وحبهم، بجانب إعجاب أخيه شخبوط به. ورغم حداثة سنه نجح في أداء مسؤولياته وتمكن من تحقيق الكثير من الإنجازات. إذ غير طبيعة ملكية الموارد المائية، ووزعها بالتساوي على جميع المناطق، مما أثّر إيجاباً في انتعاش المنطقة بأكملها فزاد الإنتاج وتحقق الازدهار. ونجح في تنمية الزراعة وحفر الأفلاج بالطرق التقليدية بهدف خلق بيئة إنمائية ينتفع بها الناس. كما تنامت تطلعات زايد خارج بيئته، واطلع على بيئات جديدة خلال رحلاته الخارجية ومشاهداته التي وسعت مداركه وبدأ يفكر في الإصلاح والتطور للأحسن. أيضاً، إبان إدارته منطقة العين، تمكن الشيخ زايد من تطوير مهاراته القيادية معتمداً في قراراته على أسلوب المشورة. وواكب تطور مدينة العين موسعاً البقعة الزراعية، وأمر بزراعة الأشجار فيها مما أكسبها رونقاً جعلها من أجمل المدن العربية. كما اتسمت شخصيته بالحلم والقرار المتزن المتروي، وساعده ذلك في حل كثير من الخلافات، ليس بين القبائل المحلية فحسب، بل ما كان بين بعض الدول الشقيقة المجاورة من نزاعات قديمة عالقة. واكتسب مع مرور الوقت الكثير من الخبرة الدبلوماسية التي أثبتت جدواها وحصدت ثمارها في ما بعد. وقبل توليه منصب الحاكم تعرف على العالم الخارجي بأول زيارة له إلى بريطانيا ثم فرنسا عام 1953، وبعدها زار الولايات المتحدة ولبنان والعراق ومصر وسورية والهند وإيران.
عام 1962م، بدأت أبوظبي ثورتها الصناعية، بتصدير أوّل شحنة من البترول الخام، وكان لهذه الثورة أثر كبير وعميق في نفوس السكان الذين بدا عليهم التفاؤل بتحسن أوضاعهم المعيشية أسوةً بأقرانهم في الدول الخليجية الأخرى، وكان لزيارة الشيخ زايد لكل من بريطانيا وفرنسا عام 1953م، واطلاعه على المدارس والمستشفيات هناك الأثر الأكبر في تطور نظرته للمستقبل، إذ قرر بعد ذلك إنشاء مثل هذه المرافق المهمة في مدينة أبوظبي.
في تلك الفترة، تبنى الحاكم (لسابق) الشيخ شخبوط الذي اعتاد على الصعوبات الاقتصادية في العقدين الماضيين رأياً متحفظاً مختلفاً عن رأي أخيه الشيخ زايد إزاء مشاريع التنمية. إذ فضّل الشيخ شخبوط الاقتصاد في إنفاق الأموال على التطور العام مما أوجد شعوراً بالإحباط في أوساط العائلة. وفي نهاية المطاف وخلال اجتماع لأسرة آل نهيان جرى إقناعه بالتنازل عن الحكم لأخيه في السادس من أغسطس (آب) من عام 1966، وهكذا صار الشيخ زايد حاكماً لإمارة أبوظبي. وكان أهم إجراء اتخذ بعد توليه الحكم في سبيل تطوير إمارة أبوظبي إرساء قواعد الإدارة الحكومية وتنظيمها على أسس عصرية، وتنفيذ مشاريع سريعة وأخرى طويلة الأمد في شتى مجالات الحياة. كما أصدر مرسوماً يستهدف تطوير ديوان الحاكم، إعداد أول ميزانية في تاريخ أبوظبي. وبدأ ينظر إلى البترول كوسيلة لبناء المجتمع.
ومن اللافت للنظر أن المشاريع التنموية الضخمة التي أطلقت خلال الأسابيع الأولى لتوليه الحكم، لم تقتصر على إمارة أبوظبي. وبعد توحيد قرى مدينة العين وجه اهتمامه لتوحيد كل الإمارات الأخرى. وقدم دليلاً ملموساً على انتمائه وإخلاصه لفكرة الوحدة، إذ خصص جزءاً من عائدات النفط للإنفاق على تطوير الإمارات الأخرى، واتسع هذا الإيثار ليصبح السمة التي صبغت، إذ إن الإمارات لم تتأخر عن دعم كثير من الدول الشقيقة والصديقة الأخرى مثل البوسنة ولبنان واليمن في أوقات الشدة.
أما عن قصة دولة الاتحاد، فتبدأ من إعلان بريطانيا عام 1968 نيتها الانسحاب من المنطقة على أن يكتمل الانسحاب قبل نهاية عام 1971. وفي 18 فبراير (شباط) 1968م، وخلال لقاء للشيخ زايد مع الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم إمارة دبي، في السمحة، تشكلت نواه إنشاء اتحاد بين الإمارات المتصالحة، وانتهز كل من الشيخ زايد والشيخ راشد آل مكتوم الفرصة للمناداة بالوحدة بين الإمارات والبحرين وقطر، ولكن تلك الوحدة التي كانا يتطلعان إليها لم تتحقق لتردد البحرين وقطر في الانضمام للإمارات الأخرى. ولكن اليأس لم يتسلل الى قلبي الشيخين زايد وراشد ولم تخب حماستهما للمشروع الاتحادي بل تحركا فوراً لإتمام وحدة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي ولدت في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) عام 1971م، تحت رئاسة الشيخ زايد، وجرى إعلان تأسيس الدولة مع حكام إمارات دبي والشارقة ورأس الخيمة والفجيرة وعجمان وأم القيوين.
غير أن حرص الشيخ زايد على تعزيز اللحمة بين الشقيقات الخليجيات أتى ثماره. فيوم 25 مايو (أيار) عام 1981م ترأس الشيخ زايد أول قمة عربية أعلنت مولد «مجلس التعاون الخليجي» من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان