«أهل كايرو».. خامة درامية تنقصها حرفة الكتابة

لقطة من مسلسل {أهل كايرو}

لعشرين حلقة بقيت أتابع مسلسل «أهل كايرو» وأتساءل ماذا أراد المؤلف بلال فضل أن يقول من خلال هذا العمل؟، فلا أستطيع أن أقتنع أن العمل مجرد مسلسل بوليسي يفتش فيه الضابط عن سر جريمة مقتل الفنانة (صافي) كما وصف المسلسل أثناء الإعلان عن بدء عرضه في الكثير من الصحف وفي موقع المسلسل على الفيسبوك، الذي قيل انه وضع جائزة لمن يعرف قاتل صافي سليم، ولم أفهم لماذا جمع كل هذه الشخصيات من سياسيين ورجال أعمال وصحافة في عرسها إذا لم تكن علاقتهم بها ووضعهم المهم في المجتمع له علاقة بالحدث أو بالمضمون الذي أراد أن يطرحه المؤلف، خاصة أن بعض الشخصيات ظهرت في العرس الذي استمر لحلقات طوال، ثم اختفت بعد أن هيأنا المؤلف أن لها دورا كبيرا في الحدث.
تحرش جماعي
ثم لماذا اختار أن يكون المشهد الأول للمسلسل هو حادثة التحرش الجماعي الذي حدث في أحد الأعياد في قلب القاهرة إذا كانت أحداث المسلسل لا تضيء بشكل واضح على المتهمين بإيصال الشباب لحالة الانهيار الأخلاقي أو الكبت الجنسي أو الإحباط أو أي سبب أدى لهذه الحادثة الغريبة من نوعها، والأهم أن المؤلف اختارها دون غيرها لتكون المشهد الأول من المسلسل والحادثة الأولى التي يحقق فيها بطل العمل.
إشارات مشوشة كثيرة بعث بها هذا العمل لي كمشاهدة فحاولت أن أفهم العمل على أنه عمل بوليسي، ولكنني لم أستطع الاقتناع بذلك بسبب الإشارات الأخرى التي أوحت لي بأنه عمل يناقش واقع مجتمع تتلاقى فيه السلطة بالشهرة فيكون الفساد ثالثهما.
حالة درامية
من المهم أن تلتقي خيوط العمل والشخصيات في مكان ما داخل إطار الحدث وضمن صياغة الموضوع لتكون حالة درامية من الصراع الذي يدور فيختزل واقعا وعلاقات وأزمات شخصية أو مجتمعية.
في المسلسل الذي كتبه بلال فضل نرى فسيفساء المجتمع المصري من رجال أعمال وسياسيين وصحافيين وأشخاص بسطاء في عرس الفنانة (صافي سليم) فمنهم من هو مدعو للعرس، ومنهم من يعمل في الفندق، وهناك أشخاص آخرون استثنوا من حضور هذا المولد الاجتماعي لأنهم رفضوا أن يدخلوا في لعبة الكبار مثل والد صافي بائع الكبدة الفقير غير الراضي عن قفزتها المادية والاجتماعية، وخطيبها السابق الشاعر الناصري الذي يمثل وجه المعارضة الرافضة لزمن مختلف بقيمه ورجاله وشروطه.
قوى وتغيرات
هذه الشخصيات كلها حاول المؤلف أن يغزلها بشكل نسيج درامي يستفيد من عرض علاقات المصالح والقوى والتغيرات التي جعلت البعض في القاع والبعض الاخر في القمة، ودهست من يريد أن يكون شريفا في زمن اللعب على الحبال أو أجبرته على أن يخضع لقوانين اللعبة إذا أراد أن يمشي في سكة السلامة مثل فاطمة العاملة في الفندق التي قايضت سكوتها عن تحرش الوزير السابق بها جنسيا، ثم ضربها له أمام معازيم العرس، بلقمة عيشها.
وعلى الضفة الأخرى للمجتمع هناك ضابط المباحث الذي يجد نفسه أثناء تحقيقه في جريمة قتل الفنانة الشهيرة، يفك خيوط كرة الفساد والظلم المتشابكة في حياة صافي كما هي متشابكة في المجتمع كله، ليحل لغز الجريمة، ومعه الصحافية في قسم الحوادث بإحدى صحف المعارضة والتي طالتها أيضا ذراع هذا الفساد والمصالح في زمن «اللي تغلب به العب به»، كما عبر عنه في شخصية رئيس التحرير الذي ركب في الماضي التيار الحكومي ثم ركب التيار المعارض عندما علت موجته، ويعتبر القيم والشعارات بضاعة تباع وتعرض في صور يعلقها لعبد الناصر وطه حسين ونجيب محفوظ وغيرهم خلف مكتبه لتوحي بأن هؤلاء هم قدوته ونموذجه ومنابع فكره.
عناوين مثيرة
في مقابله وضع الصحافية الشابة التي تواجهه بزيفه وأقنعته وانحطاط أخلاقياته المهنية عندما يتخذ من العناوين المثيرة والموضوعات الفضائحية مجالا لزيادة مبيعات صحيفة معارضة يفترض أن يكون لها هدف أعلى من ذلك، ولا ننسى أن نشير إلى أنه من عشاق صافي السابقين أو من ضمن الكبار الذين لعبت معهم لعبة المصالح.
في العمل الكثير من الشخصيات التي تعتبر رموز زمن كايرو كما يسميها المؤلف، لأنها لم تعد القاهرة التي عرفها أشخاص مثل خطيب صافي السابق الذي كانت تمثل له حلما وقيما وشعارات ومبادئ كما في المشهد الذي تطلب فيه صافي من خطيبها أن يقطع علاقتها به ويصحو من أحلامه ومثالياته لأنه أصبح يعيش في زمن اخر.
العمل خامة درامية رائعة ولكن المؤلف، ولسبب لا أفهمه، أطال ما يزيد على العشر حلقات في عرض الشخصيات والتمهيد للحدث الرئيسي، ثم بعد حدوث الجريمة أسهب في تفاصيل التفاصيل كمن يكسب وقتا لإنهاء الحلقة من دون أن يحدث جديد.
ثرثرات الشخصيات
ما كان ينقص هذا العمل الجميل هو التكثيف واختصار مشاهد عديدة وثرثرات بين الشخصيات لا تفيد الحدث الرئيسي بشيء، والاستفادة من تفعيل شخصيات مثل شخصية عريس صافي أو الدكتور شريف الراسي القادم من أميركا إلى القاهرة بعد عشرين سنة، أو شخصية حارس المقبرة (سيد عبد الكريم) التي لجأ إليها بعد أن شعر بالانكسار والهزيمة لدى رؤيته لشريط فاضح ليلة عرسه لزوجته مع رجل اخر تزوجته عرفيا.
المؤلف بدا حائرا بين الخط البوليسي والخط الاجتماعي للعمل، فلم يستطع أن يضفر الاثنين مع بعضهما دراميا، مع أنه من الواضح أن لديه شيئا ليقوله، ولكن في العمل الدرامي المتقن لا بد أن يجتمع الفكر مع حرفة الكتابة. على صعيد الأداء فخالد الصاوي يؤكد في كل مرة أنه ممثل استثنائي ونجم لم يحترق بعد بتكرار الأدوار.
وأنت تشاهد الصاوي وهو يؤدي دور ضابط المباحث في العمل، تشعر بمدى جمال أن ترى الممثل محترفا وشغوفا وتلقائيا في أداء دوره، وعموما أغلب الممثلين في العمل كانوا على مستوى عال من التميز في أداء أدوارهم مثل كندة علوش وغيرها من أبطال العمل، باستثناء زكي فطين عبد الوهاب الذي كان أداؤه باهتا وباردا حتى في اللحظات المتأزمة.
العمل من إخراج محمد علي الذي كانت لمسته كمخرج سينمائي واضحة في العمل سواء على صعيد الصورة وحركة الكاميرا أو تصوير العمل في أماكن خارج الاستوديوهات المغلقة.
في المجمل العمل لم تكن حلقاته قد انتهت بعد عند كتابة هذا الرأي ولكن بعد مشاهدة ثلثيه تقريبا ربما أستطيع القول ان «أهل كايرو» كخامة درامية لم تستغل جيدا، جعلني أفكر بمشكلة حرفية الكتابة الدرامية وأزمة الإطالة في المسلسلات العربية أكثر مما أفكر باستنتاج من قتل صافي سليم!.




بلال فضل

مشكوووور ...
ويشرفني او وحدة ترد عليك