قصه =قطه مغمضه

موضوع: قصه =قطه مغمضه الخميس يوليو 07, 2011 10:58 am

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم

همسة: (المرأة جبَّارة على الرجل الضعيف).
يخفق قلبه كلما لمحها واقفة بانتظار باص المدرسة كل صباح، زهرة نقية كثغر الفجر الناصع إذ تورع أن يخدش هذا الطهر بنفحة من أنفاسه فاختبأ خلف ستارة النافذة المطلة على الشارع يختلس إليها النظر وما أن يغادر الباص يقفل النافذة ويجلس على المائدة يتناول فطوره.
انتبهت أمه لشروده:
- أراك مشغول البال؟
ابتسامة هائمة تطوف وجهه:
- أعتقد أن لجارتنا (أم صالح) ابنة في الثانوية.
- تقصد سمر؟
- في الثانوية أليس كذلك؟
اختصرت أمه الطريق:
- هل أعجبتك؟
- جداً، وأفكر في خطبتها.
بغتت الأم:
- إنها صغيرة على الزواج، فشاب ناضج مثلك بحاجة إلى زوجة تقاربه فكرياً.
غضب:
- لا أرغب بزوجة تقاربني في عقلي، فالنساء حولي لا يثرن داخلي أية مشاعر بل أقرفهن بشدة، الناضجات اللاتي نافسنني على رئاسة القسم كن شديدات المراس، عنيفات يصعب ترويضهن، وغيرهن ممن صادفت في حياتي.
وشددت الأم على اعتراضها:
- ستعاني في زواجك من فتاة صغيرة لأنها تفكر بطريقة مختلفة عنك.
- بالعكس إنها ستكون عجينة طريّة بين أصابعي أشكلها بمزاجي وذوقي.
استاءت:
- توقع الرفض مقدماً.
- لا أعتقد، فراتبي ومركزي يغويان أصغر وأجمل البنات.
إنه يحلم بفراشة الربيع الهفهافة، زوجة تنعشه بخفرها المثير، ببريق عينيها، بوثبته حينما يقتحم الشرنقة الخجول، فالصغيرة صفحة نقية لم تدنسها خربشات الزمن، وحدك من تحفر حروفك وشماً أبدياً لا يُمحى، تتخيل في الهدأة رجفتها كعصفورة مبتلة بالعرق، وشهقة خوفها حينما تطفئ الضوء وشهب الذعر تتلبد في عينيها الواسعتين، حينذاك تسكن رجولتك المضطربة، فالفريسة لا حول لها ولا طول قد جهلت كل أسباب المراوغة التي تجنح إليها المرأة الناضجة لملاعبة شريكها.
كم من المرات انتفضت بنات حواء عليك بمخالبهن النمرية ، تصفح ذاكرتك، ستستفرغ قرفاً من خيباتك المريرة وهزائمك المهينة أمام قواهن الناعمة كـ (نسرين) امرأة شامخة تتفجر قوة وجاذبية أذكت شعورك بالنقص فهي الأخاذة بمهابتها لم تستطع أن تهيمن عليها ولن يفعل إلا الرجل المتميز، و (هنادي) قد فاقتك ذكاءً وحيوية، و (سميرة) بجرأتها ودهائها هربت منها ذات صباح فطريقها ملغوم ومبادئها أشواك، ضؤوهن الساطع بدد حضورك الشاحب، فهن نماذج قوة تنسف واقعك البسيط وتحرج رجولتك الغضة، لم تصمد في المناورات الصعبة لتقود بطلات، اتخذت طريق الجبناء فهجرت بلا تبرير، أسقطت عجزك وفشلك عليهن وتحايلت على ضعفك بأعذار.
لا، لا، هذه الأفكار تأتيه من ماضٍ اختبأ في عقله الباطن، الموروثات التقليدية التي صنفت الرجولة تصنيفاً بدائياً غذت فيه مبدأ الاستحواذ الذكوري على الأنثى وربما رغب ببعض التطمينات كي يخدر ضميره الواع ويعزز في ذاته تلك النزعة.
يغرق أبوه في نوبة ضحك:
- أيها الخبيث اخترت قطة مغمضة!
وبنشوة الظافر:
- ما رأيك يا أبي؟
- لقد فتحت شهيتي!
لكزه وهو يغمز بطرف عينه:
- لا تخبر أمك فهي أصحبت عجوز هرمة وأفكر بصبية تجدد شبابي.
نفخ أفوه دخان الأرجيلة وهو يتمتم شارداً:
- كلما كان الفارق أكبر كانت متعة الرجل أكثر.
وتناهت إلى ذهن الأب فكرة:
- يعني حينما تبلغ الأربعين تكون زوجتك في الخامسة والعشرين ربيعاً.
- اقطف هذه الزهرة يا (عادل) قبل أن تعبث بها الأيدي.
ثم تابع بعد أن لفظ الدخان:
- أتدري أن الصغيرة تتعلق بك وتعشقك بجنون، فقلبها طرياً تزرع فيه محبتك فتشتد وتقوى مع السنين، بينما ترتاب من الفتاة الناضجة التي قد تكون إحدى محطاتها العابرة.
اغتبط عادل، فوالده المجرب عزز موقفه ودعم قناعاته فما حاجته لزوجة تناطحه كند وتحاور عقله فتحرمه لذة الإحساس بسطوته، فالرجولة الآن تفقد خصائصها كنتيجة لجبروت المرأة المتعطشة إلى منافسة الرجل والاستيلاء عليه.. مسترجلة بكل ما تعني الكلمة من معنى.. لا أجد رمق أنوثة في أية موظفة صادفتني طوال سنوات عملي، وفتاتي الصفيّة النقيّة، اللوحة البكر رسمتها بأصابعي ولونتها بألوان الطبيعة الخام لن تعرف أحاسيسي معها العطب أو الملل.
كانت حججه وافيه لأمه كي تخطب فتاته فأقبلت على جارتها (أم صالح) في إبطاء وتثاقل فالفكرة المجنونة لا يهضمها العاقل ولا يتقبلها منطق، رحبت بها الجارة وأفاضت معها في أحاديث شتى حتى ابتدرتها أم عادل:
- أين ابنتك (سمر) فمنذ زمن لم أرها تلعب مع بنات الجيرة في الحديقة.
- مشغولة في المذاكرة.
صممت أم عادل وهي تتلفت حولها في حرج لأنها تدرك أن هذه الخطبة فاشلة بكل حيثياتها فربما رفض أهلها عرض الزواج، قالت:
- ابني رئيس قسم في وزارة العدل وبمرتب مغرٍ ومؤهلاته كفيلة بأن يتقدم لابنتك سمر و....
- عفواً أراكِ قلقة.
- لا أريد أن يصل الخبر لابنتي الآن فتنشغل عن المذاكرة، ثم استأذنتها.
- سأجهز لكِ القهوة.
ومن فورها اتصلت أم عادل بابنها لتخبره بقرار الأم وفجأة دخلت سمر تحمل صينية القهوة مازال وجهها البكر يرشف من رحيق الطفولة براءته، قامة ضامرة الأنوثة، تمشي بارتباك، أجفلت أم عادل فهذا اللون الشاحب من الجمال لا يروي ظمأ رجل ناضج مهيب القامة.
- (أهذه عروس ابني الوحيد).
استنكرت.
رجعت محبطة قد بالغت في نقل انطباعاتها السلبية كيما يجفل عادل، فالفتاة تبدو أصغر من سنها لفرط نحولها وشح أنوثتها لكن الشاب مقصده (البراءة) أن يحبس قطته المغمضة في قفص الزوجية للأبد فلا تفتح عينيها إلا على وجهه ثم تغمضهما ثانية وهي ذائبة فيه.
لم تثنه محاولات أمه عن قراره:
- سأنتظر يا أمي ريثما تتخرج وأعتقد أنها تستحق ذلك.
وعاد يترقب حلمه من وراء النافذة كل صباح مستأنساً حضورها البهي وطلتها الخجول حينما تخطر الشارع بثوب المدرسة وحقيبتها الثقيلة تستريح على ظهرها، مشوارها اليومي المحفوظ في ذاكرته، المشهد الجميل الذي يفتح شهيته للإفطار كل صباح.
بيد أنه افتقدها فلم تخب إلى الباص كعادتها كل يوم ولهذا انصرف بعد دقائق عدة، قلق (عادل) وحدس أنها مريضة أو ربما عارض سيء ألم بها.. ولكن كيف له أن يتقصى خبرها، لبث في مكانه يفكر في أمها حتى لمحها تخرج إلى الشارع بثوب المدرسة تضم حقيبتها إلى صدرها لكنها كانت تتلفت في ارتباك فمشيتها المريبة تثير الشك وعندما اطمأنت خلو الطريق من المارة أشارت إلى سيارة كانت تنتظرها على ناصية الشارع اختطفتها بلمح البصر.
ترك عادل النافذة ليحلق بالمجرمة الآثمة التي استغفلته طوال هذه المدة، تلفت حوله كالمجنون فما وجد لها أثر.. فقد ذهبت فتاته مع الريح وبددت معها كل أحلامه.

إنتهت ..

ردوود = تقيييييييييم 34567890-09876